فضل عشر ذي الحجة والأعمال المستحبة فيها


فضل عشر ذي الحجة والأعمال المستحبة فيها




فضل عشر ذي الحجة والأعمال المستحبة فيها
من نعم الله تعالى على عباده أن شرع لهم مواسم متنوعة في مختلف أيام العام، وهذه المواسم بالرغم من تعددها وتنوع العبادة فيها إلا أن مقصدها واحد وهو عبادة الله تعالى وحده، والمسلم الفطن الكيس من يتعرض لهذه المواسم ويغتنمها أحس اغتنام باستزادة الحسنات وتجنب السيئات، وهذا ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "إن لربكم في أيام دهركم نفحات، فتعرضوا لها، لعله أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبدًا"، أخرجه الطبراني.
ولا يشك عاقل أننا نعيش نفحات العشر الأوائل من شهر ذي الحجة الحرام، وهذه الأيام المباركات أفضل أيام السنة وخيرها وأكثرها نفعا وأحب إلى الله تعالى من غيرها، وأقسم الله تعالى بها، وإذا أقسم الله بشيء دل هذا على عظم مكانته وفضله، إذ العظيم لا يقسم إلا بعظيم، قال تعالى: ( وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ )، والليالي العشر هي عشر ذي الحجة[1]، فقد اجتمع فيها يوم التروية ويوم عرفة ويوم النحر، وفي هذا السياق يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "فإنه ليس من أيام العمل فيها أحب إلى الله من أيام عشر ذي الحجة وفيها: يوم عرفة ويوم النحر ويوم التروية"[2]، بل وذهب ابن تيمية إلى تفضي أيام عشر ذي الحجة على أيام عشر أواخر رمضان، فقال: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان"[3].
وإذا علم المسلم الفطن فضل هذه الأيام المباركات فعله أن يجتهد ويكد ويشمر على سواعده ويتعرض لنفحاتها ويتعبد ربه تعالى بالأعمال الصالحات، وإننا في هذه الأسطر نجمل في ذكر بعض الأعمال التي ينبغي للمؤمن أن يجتهد، منها:
1.   التوبة النصوح: فحري بالمسلم العاقل أن يستقبل مثل هذه مواسم بالتوبة لله تعالى و الإقلاع عن المعاصي والندم على مات منها، ويجتهد في الطاعات عامة بالعزم وإصرار، يقول تعالى: (وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون( [النور:31].
2.   الصيام تسع ذي الحجة: فيستحب للمسلم صيام الأيام التسعة الأوائل من ذي الحجة، واليوم العاشر منها هو يوم عيد الأضحى المبارك، ولا شك أ صيام يوم العيد حرام، وصيامها سنة ثابتة عن  النبي صلى الله عليه وسلم، ففي سنن أبي داود وغيره عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر والخميس"، صححه الألباني، وقال النووي رحمه الله تعالى: "صوم هذه التسعة هي مستحبة استحبابا شديدا"[4].
3.   صيام يوم عرفة: إذا لم يصم المسلم صيام تسع ذي الحجة كاملة، فعليه أن يحرص على صيام يوم عرفة وألا يفرط فيه لما فيه من أجر عظيم عند الله تعالى، ففي مسند أحمد عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل: "أريت صيام عرفة؟ قال: احتسب عند الله أن يكفر السنة الماضية والباقية".
4.   الإمساك عن حلق الشعر وتقليم الأظافر للمضحي: مما ينبغي للمسلم المضحي  في هذه العشر أن لا يحلق شيئا  من شعره أو تقليم أظافره، لما روى مسلم عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره".
5.   التكبير: ومما ينبغي للمسلم الحرص عليه في هذه الأيام المباركة، التكبير والتهليل وذكر الله تعالى، لقوله سبحانه : ( وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ )، وفسرت هذه الآية بذكر الله تعالى في أيام عشر ذي الحجة[5]، ولحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:  "مامن أيّام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد+. رواه الطبراني في المعجم الكبير. وروى الإمام البخاري رحمه الله: "كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيّام العشر يكبران ويكبر النّاس بتكبيرهما"[6]، وصورة التكبير: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر ولله الحمد.
6.   العمل الصالح: وينبغي للمسلم في هذه الأيام كذلك أن يجتهد في  أعمال الصالحة، والعمل الصالح شامل لمختلف أنواع العبادة من صلاة وقراءة للقرآن، وذكر لله تعالى، واستغفار، وصلة رحم، وغيرها،  فقد أخرج البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ إلى الله من هذه الأيام - يعني أيام العشر - قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء".





[1]  تفسير ابن كثير، 8/390.
[2]  بدائع الفوائد، ابن القيم، 3/1103.
[3]  مجموع الفتاوى، ابن تيمية، 25/287.
[4]   المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، النووي، 8/71.
[5]   معالم التنزيل في تفسير القرآن، البغوي، 5/379.
[6]   صحيح البخاري، 4/122.

تعليقات