التيمم وأحكامه


التيمم وأحكامه


التيمم وأحكامه

تعريف التيمم:
التيمم: القصد، واصطلاحا: طهارة ترابية تشتمل على مسح الوجه واليدين بنية.
مشروعية التيمم:
التيمم مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، وهو مما اختص الله تعالى به هذه الأمة عن غيرها من الأمم.
أولا: أدلته من الكتاب:
قال تعالى: )فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ( [المائدة:6].
ثانيا: أدلته من السنة:
عن عمران بن حصين قال : كنا مع رسول الله ? في سفر فصلى بالناس ، فإذا هو برجل معتزل فقال : ما منعك أن تصلي ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء ، قال :عليك بالصعيد فإنه يكفيك.
عن جابر قال : خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه ثم احتلم، فسأل أصحابه هل تجدون لي رخصة في التيمم ؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء ، فاغتسل فمات ، فلما قدمنا على رسول الله ? أخبر بذلك ، فقال: قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا ؟ فإنما شفاء العي السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر - أو يعصب - عن جرحه خرقة ثم يمسح عليه ويغسل سائر جسده.
عن عمرو بن العاص أنه لما بعث في غزوة ذات السلاسل قال : احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد ، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، فلما قدمنا على رسول الله ? ذكروا ذلك له ، فقال : يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ فقلت : ذكرت قول الله عز وجل : ) ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما(K فتيممت ثم صليت ، فضحك رسول الله ولم يقل شيئا.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله : جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا أينما أدركتني الصلاة تمسحت وصليت.
ثالثا: أدلته من الإجماع.
قال النووي رحمه الله تعالى: وأجمع العلماء على جواز التيمم عن الحدث الأصغر
قال ابن قادمة: فأجمعت الأمة على جواز التيمم في الجملة.
سبب مشروعية التيمم.
ساق مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت:  خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم وبالناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء قالت عائشة فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء وقالت عائشة فعاتبني أبو بكر فقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعن بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أصبح على غير ماء فأنزل الله تبارك وتعالى آية التيمم فتيمموا فقال أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت فبعثنا البعير الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
من يباح له التيمم:
يباح التيمم لسبعة أفراد، وهم:
1.    فاقد الماء الكافي للوضوء أو الغسل بأن لم يجد ماء أصلا أو وجد ماء لا يكفيه.
2.    فاقد القدرة على استعمال الماء، وهو شامل للمكره، والمربوط بقرب الماء، والخائف على نفسه من سبع أو لص.
3.    من خاف باستعمال الماء حدوث مرض أو زيادته، أو تأخر برئه، ويعرف ذلك بالعادة أو بإخبار طبيب.
4.    من خاف عطش حيوان، والمراد بالخوف الاعتقاد أو الظن بأن العطش واقع الآن أو بعد حين، والمراد من العطش المؤدي إلى هلاك أو شدة أذى لا العطش الخفيف الذي لا يتسبب عليه واحد من هذين.
5.    من خاف تلف ما له بال بسرقة أو نهب، والمراد بما له بال: المال الذي يزيد على ثمن شراء الماء اللازم له، هذا كله إذا تحقق وجود الماء المطلوب أو غلب على ظنه أنه يجده فإن شك في وجوده تيمم ولو قل الماء، ويدخل في هذا النوع الذين يحرسون زروعهم لأن الزرع مال وكذلك الأجراء الذين يحصدون الزرع.
6.    من خاف باستعمال الماء خروج وقت الصلاة، وأولى من هذا من خاف بطلب الماء خروج الوقت فإنه يتيمم، ولا يستعمله إذا كان موجودا ولا يطلبه إذا كان مفقودا محافظة على أداء الصلاة في وقتها سواء كان الوقت اختياريا أو ضروريا.
7.    من فقد مناولا يناوله الماء أو فقد آلة يستخرج بها الماء كالحبل والدلو، وهذا يدخل في فاقد القدرة على استعمال الماء فيكون فاقد القدرة.
وهذه الأقسام السبعة بحسب الأفراد المأذون لهم بالتيمم ترجع في الحقيقة إلى قسمين:
1)    فاقد الماء حقيقة أو حكما فيدخل فيه خوف عطش الحيوان المحترم وخوف تلف المال وخوف خروج الوقت بالاستعمال أو الطلب.
2)    فاقد القدرة حقيقة أو حكما فيشمل الباقي، والأفراد السبعة يتيممون في الحضر والسفر، سواء كان السفر مباحا كالسفر للتجارة أو سفر طاعة كالسفر للحج والغزو أو سفر معصية بقصد ارتكاب الفواحش.
شروط التيمم
شروط التيمم هي شروط الوضوء والغسل بإبدال الماء بالصعيد، فتنقسم شروطه إلى ثلاثة أقسام:
شروط الصحة ثلاثة ، وهي:
1.    الإسلام.
2.    عدم الحائل من شحم ودهن فوق العضو الممسوح.
3.    عدم المنافي للتيمم، فلا يصح حال خروج الحدث أو مس الذكر مثلا.
شروط الوجوب ثلاثة ، وهي:
1.    البلوغ.
2.    القدرة على التيمم.
3.    حصول ناقض.
شروط الصحة والوجوب خمسة، وهي:
1.    العقل.
2.    النقاء من الحيض والنفاس.
3.    وجود ما يتيمم به.
4.    عدم النوم والغفلة.
5.    دخول الوقت، فلا يتيمم لفريضة إلا بعد دخول وقتها ووقت الصلاة الفائتة هو زمن تذكرها.
فرائض التيمم
فرائض التيمم خمسة،  وهي:
1.    النية عند الضربة الأولى؛ بأن ينوى أحد شيئين استباحة الصلاة أو استباحة ما منعه الحدث أو فرض التيمم، ولا ينوي رفع الحدث؛ لأن التيمم لا يرفع الحدث كما لا يجوز أن يصلى فرضا بتيمم نواه لغيره.
2.    الضربة الأولى بأن يضع كفيه على الصعيد الطاهر.
3.    تعميم الوجه واليدين إلى الكوعين بالمسح ويجب تخليل الأصابع، و يكون بباطن الكف أو الأصابع.
4.    الصعيد الطاهر، والمراد بالصعيد كل ما صعد على وجه الأرض من أجزائها كالتراب ـ وهو أفضل ـ والرمل والحجر والجص الذي لم يحرق، كما يجوز التيمم على المعدن والثلج والرخام ولو جعل أعمدة في المساجد، ويمتنع التيمم على الخشب والحشيش ولو لم يوجد غيرهما.
5.    الموالاة بين أجزاء التيمم، وطال ابتدأ التيمم.
سنن التيمم
سنن التيمم أربعة، وهي:
1.    الترتيب بأن يمسح اليدين بعد الوجه فإن نكس أعاد اليدين إن قرب الزمن ولم يصل به وأما لو بعد الزمن أو صلى بهذا التيمم فاتت سنة الترتيب.
2.    الضربة الثانية ليديه.
3.    المسح إلى المرفقين.
4.    نقل أثر الضرب من الغبار إلى الممسوح بأن لا يمسح على شيء قبل مسح الوجه واليدين فإن مسحهما بشيء قبل ما ذكر كره واجزأ.
مندوبات التيمم.
مندوباته أربعة، وهي:
1.    التسمية.
2.    الصمت إلا عن ذكر الله.
3.    استقبال القبلة.
4.    صفته الحميدة، وهي: أن يجعل ظاهر اليد اليمنى من طرف أصابعها بباطن كف يده اليسرى، ثم يمر اليسرى إلى مرفق اليمنى، ثم يجعل باطن اليمنى من طي المرفق بباطن اليسرى فيمرها لآخر أصابع اليمنى، ثم يفعل بيسراه كما فعل باليمنى؛ بأن يجعل ظاهرها من طرف الأصابع بباطن كف اليمنى فيمرها لآخر طرف مرفق اليسرى ثم يجعل باطنها من طي مرفقها بباطن كف اليمنى لآخر أصابع اليسرى ثم يخلل الأصابع.
مكروهات التيمم.
يكره إن كان متوضأ أو مغتسلا وهو عادم للماء إبطال وضوئه بحدث أو سبب أو إبطال غسله وإن كان غير متوضئ بجماع بشرط أن لا يحصل للمتوضئ ضرر من حقن أو غيره، وأن لا يحصل للمغتسل ضرر بترك الجماع، فإن حصل ضرر لهذا أو لذاك فلا كراهة في الانتقال من الوضوء أو الغسل إلى التيمم.
مبطلات التيمم.
كل ما أبطل الوضوء من الأحداث والأسباب وغيرهما أبطل التيمم، ويبطله أيضا وجود الماء الكافي قبل الدخول في الصلاة مع القدرة على استعماله، واتسع الوقت لهذا الاستعمال؛ بحيث يدرك الوقت المختار، أما وجود الماء في الصلاة فلا يبطلها إلا إذا كان ناسيا للماء الذي معه فتيمم وأحرم بالصلاة ثم تذكره فيها فتبطل إن اتسع الوقت ويبطله أيضا طول الفصل بينه وبين الصلاة.
فوائد:
o      فاقد الطهورين الماء والتراب أو فاقد القدرة على استعمالها كالمكره والمصلوب تسقط عنه الصلاة أداء وقضاء.
o      كل من أذن له بالتيمم وطلب منه يجوز له أن يتيمم للفرض استقلالا كالعصر وحدها وللنفل استقلالا كالركعتين لتحية المسجد وصلاة الوتر، وللنفل تبعا للفرض كركعتي الشفع بعد العشاء وللجمعة وللجنازة من غير فصل، ويغتفر الفصل اليسير كتلاوة آية الكرسي والمعقبات بين النفل والفرض.
o      لا يتيمم للجنازة إلا ذا تعينت عليه ولم يوجد غيره من متوضىء أو مسافر أو مريض.
o      لا يصح أداء فرضين بتيمم واحد وإن قصدهما المتيمم فيصح الأول ويبطل الثاني.
o      حالات طلب الماء لفاقده، لهذه المسألة ثلاث صور:
الأولى: أن يكون الماء المطلوب للوضوء محقق العدم في المكان المطلوب منه أو مظنون العدم فلا يجب على المكلف طلبه مطلقا سواء كان الماء على بعد ميلين أم لا وسواء كان في مشقة أم لا.
الثانية: أن يكون الماء المطلوب محقق الوجود أو مظنونه أو مشكوكه فيلزمه طلبه بشرطين:
 (1) أن يكون بعده أقل من ميلين.
 (2) أن لا تحصل مشقة في الطلب.
الثالثة: أن يكون الماء المطلوب محقق الوجود أو مظنونه أو مشكوكه وكان بعيدا ميلين فأكثر أو كان في طلبه مشقة أو فوات رفقه ولو كان على أقل من ميلين فلا يجب عليه طلبه.
o      المأمورون بالتيمم ثلاثة أنواع:
1.  اليائس هو المتيقن عدم وجود الماء أو عدم لحوقه أو عدم زوال المانع الذي منعه من استعمال الماء أو الغالب على ظنه عدم ما ذكر، وحكمه أنه يندب له أن يتيمم ويؤدي الصلاة في أول الوقت المختار فإن تيمم وصلى كما أمر ثم وجد ماء في الوقت بعد صلاته فلا إعادة عليه مطلقا.
2.  المتردد في وجود الماء أو لحوقه أو في زوال المانع وهو الشك يتيمم وسط الوقت المختار ندبا ومثل المتردد المريض الذي عدم مناولا والخائف من لص أو سبع لو ذهب لطلب الماء والمسجون فيندب لهم التيمم وسط الوقت.
3.   الراجي وجود الماء أو لحوقه أو زوال المانع وهو الظان الذي غلب على ظنه يتيمم آخر الوقت المختار ندبا، ولا يجوز لواحد من الآيس والمتردد والراجي تأخير الصلاة للوقت الضروري.
          وهذا التقسيم في الوقت مشروط بشرطين:
 (1) أن يكون الوقت هو الوقت المختار فإذا دخل الوقت الضروري فلا تقسيم فيه بين الأول والوسط والآخر بالنسبة للأفراد الثلاثة.
 (2) أن لا تكون الصلاة صلاة المغرب فإن كانت المغرب فلا تقسيم أيضا لأنه لا امتداد لوقتها.
o      المتيممون الذين يعيدون صلاتهم ندبا سبعة، وهم:
1.    من وجد الماء الذي فتش عليه في مسافة دون الميلين بعينه قريبا منه دون لميلين فلو وجد غيره أو وجده بعد بعد لم يعد.
2.    من فتش عليه في رحله فلم يجده فتيمم وصلى ثم وجده فيه بعينه.
3.    الخائف من لص أو سبع فتيمم وصلى ثم وجد الماء وهذا لا يعيد صلاته ندبا إلا بشروط أربعة:
 (1) أن يتبين عدم ما خافه بأن ظهر أنه شجر مثلا.
 (2) أن يتحقق الماء الممنوع منه.
 (3) أن يكون خوفه جزما أو ظنا.
 (4) أن يجد الماء بعينه.
4.    المريض الذي يقدر على استعمال الماء ولكنه لم يجد من يناوله إياه فتيمم وصلى ثم وجد مناولا ولا يعيد هذا المريض في الوقت إلا إذا كان من شأنه أن لا يتردد عليه الناس أما من شأنه التردد عليه فلا يعيد وقيل لا إعادة على المريض مطلقا سواء كان من شأن الناس التردد عليه أم لا.
5.    الراجي وجود الماء في آخر الوقت فقدم الصلاة بالتيمم ثم وجد في الوقت ما كان يرجوه.
6.    المتردد في لحوق الماء فصلى بالتيمم في وسط الوقت ثم لحق بالوقت ما كان مترددا في لحوق الإعادة بخلاف المتردد في وجود الماء فلا إعادة عليه إن وجده سواء تيمم وصلى في وسط الوقت أو في أوله.
7.    الناسي للماء الذي معه ثم تذكره بعد أن يصلى بالتيمم، فإن تذكره في صلاته بطلت الصلاة.
o      المتيممون الذين يعيدون أبدا ثلاثة، و هم:
1.    من ترك الطلب الغير الشاق عليه وتيمم وصلى ثم وجد الماء الذي كان ظانا له أو مترددا فيه دون الميلين أو في رحله.
2.    من طلب الماء فلم يجده فتيمم ثم وجد الماء قبل صلاته فلم يتوضأ وصلى بالتيمم، فالتيمم باطل.
3.    من خاف لصا أو سبعا فلم يسع لجلب وكان خوفه شكا أو وهما.
المصادر والمراجع:
لسان العرب، ابن منظور.
صحيح البخاري.
صحسح مسلم.
مسند الإمام أحمد.
سنن أبي داود .
شرح التلقين للمازري.
المغني، لابن قدامة.
الاستذكار، لابن عبد البر.
شرح النووي على مسلم.
القوانين الفقهية لابن جزي.

الخلاصة الفقهية على مذهب السادة المالكية محمد القروي.

فقه العبادات على المذهب المالكي، الحاجّة كوكب عبيد.

تعليقات