تلخيص الباب الثاني من كتاب:
"المستشرقون والقرآن الكريم" للدكتور محمد بهاء الدين حسين.
الباب الثاني: مطاعن المستشرقين في الرسول صلى الله عليه وسلم لكونه مبلغ القرآن الكريم.
أولا: الهجوم على الرسول صلى الله عليه وسلم.
المعلومات التي وصلت إلى الغرب عن
الرسول صلى الله عليه وسلم كانت معلومة خاطئة، ليس لها أدلة وأسانيد تاريخية،
وإنما جاءته عن مصادر غير موثوقة بها، بشهادة الغربيين أنفسهم، وقد كان لرجال
الكنيسة أكبر
دور في تشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومن بين التصورات التي كانت منتشرة،القول
بأن المحمديين لم يكونوا يجلون محمدا لمجرد كونه نبيهم، بل كانوا يعبدونه بوصفه
يمثل الألوهية، وعن هذه الاتهامات، يقول المستشرق كارا دي فو: إن محمدا ظل وقتا
طويلا معروفا في الغرب معرفة سيئة، فلم توجد خرافة إلا نسبوها إليه،ويقول الدكتور
لينز: (لقد تفوه كتاب النصارى بحق محمد صلى الله عليه وسلم بما لا يليق.
وفيما يأتي بعض من المقولات
الاستشراقية الرامية إلى تشويه صورة الرسول صلى الله عليه وسلم: يزعم المستشرق
فويلز أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان رجلا رفعته طموحاته، ووساوسه في سن
الكهولة إلى تأسيس دين ليعد في زمرة القديسين، فألف مجموعة من عقائد خرافية وآداب
سطحية، وقام بنشرها في قومه، فاتبعها رجال منهم، وأما المستشرق جان جانييه فيزعم
أن محمدا أكثر الناس شرا، وأنه عدو لدود لله، هكذا نرى أن المستشرق يضرب بعرض
الحائط الحقائق التاريخية الصارخة، ولم يكن هناك مكان للحقيقة في زعمه فمثل هذه
الفرية لا تستحق الرد لتفاهتها، لأن دافعها إنما هو الحقد والتعصب ليس إلا.
أما جولدزيهر فينكر معجزات الرسول صلى
الله عليه وسلم جميعا، إن مقارنة بين قول جولدزيهرهذا وقوله: لقد قرر محمد نفسه أن
القرآن عمل معجز لا يمكن الإتيان بمثله، ويعتبره المؤمنون معجزة إلهية حققت بواسطة
النبي، ويرونها أكبر معجزة تدل على صدق رسالته الإلهية، لتظهر التناقض الصارخ الذي
وقع فيه، ففي قوله الأول يرفض أن يكون الرسول صاحب معجزة، وفي قوله الثاني يقرر أن
القرآن معجزته، فما هذا إلا تخبط وتناقض وقع فيهما جولدزيهر، ومما يجدر ذكره هنا
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كانت له معجزات مادية أخرى غير معجزته الكبرى
المتمثلة في القرآن، والقرآن قد أشار إلى بعضها كالإسراء وانشقاق القمر، ويمضي
جولدزيهر في مزاعمه إلى تجريده صلى الله عليه وسلم من معنى النبوة، فيزعم أن
الرسول صلى الله عليه وسلم في العهد المدني كان يهدف من الحرب إلى إقامة مملكة له،
هكذا يجافي جولزيهر حقيقة سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وواقعها، من غير سند ولا
دليل، فإن الباحث المنصف حينما يلقى نظرة على الآيات المدنية يجد الرسول صلى الله
عليه وسلم في كل الأحوال والظروف غير ناس للآخرة، وأن الدنيا لم تكن في نظره إلا
مزرعة لها،فلم يحمل السيف إلا لأجلها، وقد كان قوله تبارك وتعالى ماثلا أمام عينيه: )وللأخرة خير لك من الأولى ولسوف
يعطيك ربك فترضى(، فلم يكن في يوم ما ملكا همه الثراء،
فالأموال كانت تأتيه وما هي إلا ساعات ويوزعها على المحتاجين، ولا يبقى له منها
شيئا يذكر، وتمضي أيام ولا يخرج من بيته دخان لإحضار الطعام في المدينة، فأين
الملك وأين المملكة؟ فقد كان الزهد شأنه، ولكن المستشرقين الحاقدين يجهلون أو يتجاهلون
ذلك.
ثانيا: أعداء الإسلام يصفون رسوله بأنه رجل شهواني.
هذه الفرية تدحضها الحقائق الثابتة،
فالدراسات العلمية لحياة الرسول صلى الله عليه وسلم، والوقائع التاريخية الواردة تكذب
هذه الاتهام،ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن له أي اهتمام بالنساء، ولم تعرف
عنه في فترة مراهقته نزوة واحدة من نزوات الشباب، ولو عرف الناس عنده شيئا من ذلك
لأذاعوه، ولم يلقبوه بالصادق الأمين، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم ظل
أعزب حتى بلغ الخامسة والعشرون عرضت خديجة عليه الزواج، وكان عمرها قد بلغ الأربعين
وكانت ثيبا، والسيدة بهذه السن ليست مطمعا لمن يهوى النساء ويتعلق بهن، ولا سيما
من شاب في سن الرسول صلى الله عليه وسلم، وحينما تزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم
لم يتزوج عليها طوال حياتها، على الرغم من أنها كانت تنجب له إناثا دون ذكور، وكان
المتبع تعدد الزوجات ولا سيما لطلب الذكور من الأولاد، فلو كان الرسول كغيره من
الرجال لوجد بسبب ذلك مبررا للزواج عليها، ولكنه لم يفعل، فقضى الرسول زهرة شبابه
معها، واستمرت حياته معها حتى توفيت، وبعد وفاتها.
وكان الرسول في الخمسين من عمره لم
يفكر في الزواج، وطبيعي أن الرجل في مثل هذا السن لا يكون تواقا للزواج، ولكن تحت
إلحاح صحابته عليه للزواج حتى يجد من تقوم بإدارة شؤونه والإشراف على بيته، وافق
على الزواج من سودة بنت زمعة، وهي أرملة عجوز، ليس فيها ما يشتهيه الرجال، فزواجه
منها لم يكن بسبب المتعة النسوية الجنسية ولا حب المرأة، وأما ما تم من زواج
للرسول بعد ذلك فكان لأسباب سياسية داخلية كربط الصحابة بعضهم ببعض، لإثارة الحماس
بين القوم للدفاع عن الإسلام، تقول الدكتورة فاجليري: وقد أصر أعداء الإسلام على
وصف محمد بأنه رجل شهواني، محاولين أن يتخذوا من زوجاته المتعددة دليلا على خلق
ضعيف لا يتفق ورسالته، ولا يضع هؤلاء في اعتبارهم أن محمدا خلال السنين من حياته
التي تكون فيها الرغبة الجنسية في عنفوانها، كان مخلصا محبا لزوجة واحدة فقط تكبره
بخمسة عشر عاما، وكان محمد في الخمسين من عمره عندما ماتت خديجة، عنذئذ تزوج أكثر
من مرة، ويقول المستشرق توماس كارلايل: وما كان محمد أخا شهوات برغم ما اتهم به
ظلما وعدوانا، وشد ما نجور ونخطئ إذا ما حسبناه رجلا شهويا، كلا فما أبعد ما كان
بينه وبين الملاذ، لقد كان زاهدا متقشفا في سائر أموره وأحواله،إن أكبر حكمة في
تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم يتجلى في أن كل واحدة منهن كانت بمثابة مدرسة تعلم
من خلالها المؤمنون والمؤمنات أمور دينهم، كما أن زواج النبي صلى الله عليه وسلم
من الإحدى عشرة لم يكن إلا لخدمة الإسلام وتحقيق بعض أهدافه، فلو كان الرسول صلى
الله عليه وسلم تواقا وميالا إلى النساء شهوانيا، لكان باستطاعته التزوج بأجمل
الفتيات، ومن أشرف العوائل، ولكن هذا ما لم يحصل، بل كان زواجه صلى الله عليه وسلم
من كل امرأة تزوجها بعد خديجة رضي الله عنها إنما تم بوحي من ربه تحقيقا لغايات
دينية وتشريعية ليس إلا؛ أما الادعاء باستيلائه صلى الله عليه وسلم على زوجة أحد
أصحابه فلا يعدو كونه إلا إفكا واتهاما باطلا، فإن حقائق هذه القصة كما جاءت في
القرآن لتكذب هذا الادعاء وتهدمه، قال تعالى:)وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت
عليه أمسك عليك زوجك وأتق الله وتخفى في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق
أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في ازواج
أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا (لقد
كان في زواج زيد من زينب، ثم زواج النبي صلى الله عليه وسلم منها حكم وأسرار على
المستوى التشريعي والسياسي والاجتماعي.
قد خفيت على عقول هولاء المستشرقين المغرضين،
وفيما يأتي بعض، منها:كان للسيدة خدجة رضي الله عنها عبد يدعى زيد بن حارثة، أهدته
للرسول صلى الله عليه وسلم، وتبناه على عادة العرب قبل الإسلام، ثم أعتقه رسول
الله صلى الله عليه وسلم ليكون حرا كغيره من الناس، وزوج النبي صلى الله عليه وسلم
زيد بزينب،وكانت العادة عند العرب أنه لا يجوز زواج السيد بزوجة ابنه المتبنى بعد
الفراق، وبمقتضى المساواة التي أعلنها الإسلام بين الناس، كان لابد من إزالة هذه
العادة، فكان الأسوة الحسنة أن يتزوج الرسول صلى الله عليه وسلم بزينب بعد أن
طلقها زيد ليكون تشريعا جديدا يلغي عادة التبني، بعد أن حاول الرسول صلى الله عليه
وسلم جاهدا ثنيه عن طلاقها،وكانت زينب ابنة عمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعاش
معها وهي عذراء، فلو كانت عنده أية رغبة وشهوة فيها لتزوجها، فكيف يرغب فيها بعد
أن تزوجت؟
ثالثا: المستشرقون المغرضون وسن النبي حين تلقى الوحي.
يحاول المستشرقون التشكيك في السنة
التي ولد فيها الرسول صلى الله عليه وسلم ومن ثم التشكيك في بعثته على رأس
الأربعين من عمره مما يؤدي إلى الطعن في مشروعية نبوته، يقول بروكلمان: لسنا نعلم
علم يقين السنة التي ولد فيها النبي، والمشهور أن ولادته كانت حوالي سنة 571 م، ولكن الذي لا شك فيه أنها متأخرة
عن ذلك بعض الشيء،وقد أخذ هذا من الأب هنري المعروف بتعصبه ودسه، والذي درج على
منهج خاص به، عرف بالمنهج العكسي، حيث يأتي إلى أوثق النصوص والمراجع الإسلامية
فيأخذ بعكس ما جاء فيها، لذا كان على بروكلمان أن يتجنب الأخذ منه لو لم يكن دافع
خفي من وراء نقل هذا الخبر،إنهم بكل بساطة يقصدون من هذا نقض القول: إن محمدا صلى
الله عليه وسلم بعث على رأس الأربعين، والخروج بنتيجة وهي أنه ما دام الأنبياء
يبعثون على رأس الأربعين، ومحمد جاء على رأس الثلاثين من عمره فهو ليس نبيا، لأنه
قد خرق السن الذي بعث عليه الأنبياء من قلبه، يقول ابن كثير: والصحيح أنه صلى الله
عليه وسلم ولد عام الفيل، وقد حكا ابن المنذر الإجماع على ذلك، أما تحديد عمر
النبي صلى الله عليه وسلم بالأربعين عند بدء الوحي، فهو الرأي الأصح الذي رجحه
المحققون من أهل التفسير،يتحدث صبحي الصالح عن شبهات المستشرقين حول عمر النبي في
بدء الوحي، قائلا: أما ما أثاره المستشرقون من شبهات حول تفسير الآية: فقد لبث فيكم عمرا من قبله( فمغالطة
عليم أو سفه جهول، فإنهم زعموا أن لا قبل للباحثين بتحديد عمر النبي في
بدء الوحي، ومم ذهب إلى المستشرق بلاشير في مستهل ترجمته للقرآن.
إن حديث المستشرقين الطاعنين في الرسول صلى
الله عليه وسلم، وما يحملونه من إنكار لكون القرآن وحيا من الله تعالى، ومن إنكار
لدين الإسلام الذي عرى عقائدهم وكشف إلحادهم، لذلك تراهم يرددون افتراءات أهل
الجاهلية بأسلوب علمي مزعوم، وبذلك لم يتوصلوا إلى النتيجة المتمثلة في الاعتراف
بنبوته صلى الله عليه وسلم، ولعل العقد النفسية المتوارثة عندهم لم يستطيعوا
التحرر والتخلص من تلك المؤثرات كليا على الرغم من محاولتهم الالتزام بالموضوعية
إلى حد ما،ومهما يكن من أمر هؤلاء الذين يحاولون تضليل جماهير المسلمين عن دينهم
في دأبهم على إبراز صورة مشوهة لرسول الإسلام، وعلى تشويه معالم دينه القويم فلن
يفلحوا أبدا، لأن المسلمين يعرفون نبيهم حق المعرفة، ويعرفون خطط أعدائهم وأهدافهم
من وراء محاولاتهم تلك.

تعليقات
إرسال تعليق